سورة الأحزاب - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


قوله تعالى: {يا أيُّها النبيُّ إِنَّا أرسلناكَ شاهداً} أَي: على أُمَّتك بالبلاغ {ومبشِّراً} بالجنة لمن صدَّقك {ونذيراً} أي: منذِراً بالنار لمن كذَّبك، {وداعياً إِلى الله} أي: إِلى توحيده وطاعته {بِإِذنه} أي: بأمره، لا أنك فعلتَه من تلقاء نفسك {وسراجاً منيراً} أي: أنت لِمَن اتَّبعك {سراجاً}، أي: كالسِّراج المضيء في الظلمة يُهتدى به.
قوله تعالى: {وبَشِّر المؤمنين بأنَّ لهم من الله فضلاً كبيراً} وهو الجنة. قال جابر بن عبد الله: لمَّا أُنزل قوله: {إِنَّا فتحنا لك فتحاً ميناً...} الآيات الفتح قال الصحابة: هنيئاً لك يا رسول الله، فما لَنا؟ فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: {ولا تُطِع الكافرين} قد سبق في أول السورة.
قوله تعالى: {ودَعْ أذاهم} قال العلماء: معناه لا تجازهم عليه {وتوكَّلْ على الله} في كفاية شرِّهم؛ وهذا منسوخ بآية السيف.


قوله تعالى: {إِذا نَكَحْتُم المُؤْمِنات} قال الزجاج: معنى {نَكَحْتُم}: تزوَّجتم. ومعنى {تَمَسَّوهُنَّ} تَقْربوهن. وقرأ حمزة، والكسائي: {تُمَاسُّوهُنَّ} بألف.
قوله تعالى: {فما لكم عليهنَّ مِنْ عِدَّةٍ تعتدُّونها} أجمع العلماء أنه إِذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة فلا عِدَّة؛ وعندنا أن الخلوة توجب العِدَّه وتقرِّر الصَّداق، خلافاً للشافعي.
قوله تعالى: {فمتِّعوهُنَّ} المراد به من لم يُسمِّ لها مهراً، لقوله في [البقرة: 236] {أو تَفْرِضوا لَهُنَّ فريضةً} وقد بيَّنَّا المتعة هنالك وكان سعيد بن المسيّب وقتادة يقولان: هذه الآية منسوخة بقوله: {فنِصْفُ ما فَرَضْتم} [البقرة: 237].
قوله تعالى: {وسَرِّحوهُنّ سَرَاحاً جميلاً} أي: من غير إِضرار. وقال قتادة: هو طلاقها طاهراً من غير جماع. وقال القاضي أبو يعلي: الأظهر أن هذا التسريح ليس بطلاق، لأنه قد ذكر الطلاق، وإِنما هو بيان أنه لا سبيل له عليها، وأن عليه تخليتها من يده وحِباله.
فصل:
واختلف العلماء فيمن قال: إِن تزوجتُ فلانة فهي طالق، ثم تزوجها؛ فعندنا أنها لا تطلق، وهو قول ابن عباس، وعائشة، والشافعي، واستدل أصحابنا بهذه الآية، وأنه جعل الطلاق بَعد النكاح. وقال سماك بن الفضل: النِّكاح عُقدة، والطلاق يَحُلُّها، فكيف يحلُّ عقدة لم تُعقد؟! فجُعل بهذه الكلمة قاضياً على صنعاء. وقال أبو حنيفة: ينعقد الطلاق، فاذا وُجد النكاح وقع. وقال مالك: ينعقد ذلك في خصوص النساء، وهو إِذا كان في امرأة بعينها، ولا ينعقد في عمومهن. فأما إِذا قال: إِن ملكتُ فلاناً فهو حُرّ، ففيه عن أحمد روايتان.


قوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لكَ أزواجكَ} ذكر الله تعالى أنواع الأنكحة التي أحلَّها له، فقال: {أزواجَك اللاَّتي آتيتَ أُجورهُنَّ} أي: مهورهُنَّ، وهُنَّ اللَّواتي تزوَّجْتَهُنَّ بصداق {وما ملكتْ يمينُك} يعني الجواري {مِمَّا أفاء اللّهُ عليك} أي: ردَّ عليك من الكفار، كصفيَّة وجُوَيرية، فانه أعتقهما وتزوجهما {وبناتِ عمِّك وبناتِ عمَّاتك} يعني نساء قريش {وبتاتِ خالك وبناتِ خالاتك} يعني نساء بني زُهْرة {اللاَّتي هاجرن معك} إِلى المدينة. قال القاضي أبو يعلى: وظاهر هذا يدلُّ على أن من لم تهاجر معه من النساء لم يَحِلَّ له نكاحها. وقالت أُمُّ هانئ: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرتُ إِليه بعذر، ثم أنزل اللّهُ تعالى: {إِنَّا أَحللنا لك أزواجك} إِلى قوله: {اللاَّتي هاجَرْنَ معك}، قالت: فلم أكن لأحَلَّ له، لأنِّي لم أُهاجِر معه، كنتُ من الطُّلَقاء؛ وهذا يدلُّ مِنْ مذهبها أنَّ تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر مَنْ لم تُهاجِر.
وذكر بعض المفسرين: أن شرط الهجرة في التحليل منسوخ، ولم يذكر ناسخه. وحكى الماوردي في ذلك قولين.
أحدهما: أن الهجرة شرط في إِحلال النساء له على الإِطلاق.
والثاني: أنه شرط في إِحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيات.
قوله تعالى: {وامرأةً مؤمنةً} أي: وأَحلَلْنا لك امرأة مؤمنة {إِنْ وهبتْ نَفْسَها} لك، {إِن أراد النبيُّ أن يَستنكحها} أي: إِن آثر نكاحها {خالصةً لكَ} أي: خاصة. قال الزجّاج: وإِنما قال: {إِن وهبتْ نَفْسَها للنبيِّ}، ولم يقل: لك، لأنه لو قال: لك، جاز أن يُتوهَّم أن ذلك يجوز لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاز في بنات العمِّ وبنات العمَّات. {وخالصةً} منصوب على الحال.
وللمفسرين في معنى {خالصةً} ثلاثة أقوال.
أحدها: أن المراة إِذا وهبت له نفسها، لم يلزمه صَداقُها دون غيره من المؤمنين، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن المسيّب.
والثاني: أنَّ له أن يَنْكِحها بِلاَ وليّ ولا مَهْر دون غيره، قاله قتادة.
والثالث: خالصةً لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين، وهذا قول الشافعي، وأحمد.
وفي المرأة التي وهبتْ له نَفْسها أقوال.
أحدها: أُمّ شَريك. والثاني: خولة بنت حكيم. ولم يدخل بواحدة منهما. وذكروا أن لبلى بنت الخطيم وهبت نفسها له فلم يقبلها. قال ابن عباس: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له. وقد حكي عن ابن عباس أن التي وهبت نفسها له ميمونة بنت الحارث؛ وعن الشعبي: أنها زينب بنت خزيمة. والأول: أصح.
قوله تعالى: {قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنا عليهم} أي: على المؤمنين غيرك {في أزواجهم} وفيه قولان:
أحدهما: أن لا يجاوز الرجل أربع نسوة، قاله مجاهد.
والثاني: أن لا يتزوج الرجل المرأة إِلاَّ بوليّ وشاهدَين وصَدَاق، قاله قتادة.
قوله تعالى: {وما مَلَكَتْ أيمانُهم} أي: وما أَبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور.
قوله تعالى: {لِكَيْلا يكونَ عليكَ حَرَجٌ} هذا فيه تقديم؛ المعنى: أَحللْنا لك أزواجك، إِلى قوله: {خالصةً لك من دون المؤمنين} {لكيلا يكون عليك حرج}.
قوله تعالى: {تُرْجِي من تشاءُ مِنْهُنَّ} قرأ ابن كثير، وأبوعمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {تُرْجِئ} مهموزاً؛ وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بغير همز. وسبب نزولها أنه لمَّا نزلت آية التخيير المتقدِّمة، أشفقْنَ أن يُطَلَّقْنَ، فقُلْنَ: يا نبيَّ الله، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، ودَعْنا على حالنا، فنزلت هذه الآية، قاله أبو رزين.
وفي معنى الآية أربعة أقوال.
أحدها: تطلِّق من تشاء من نسائك، وتُمْسِك من تشاء من نسائك، قاله ابن عباس.
والثاني: تترُك نكاح من تشاء، وتَنْكِح من نساء أُمَّتك من تشاء، قاله الحسن.
والثالث: تَعْزِل من شئتَ من أزواجك فلا تأتيها بغير طلاق، وتأتي من تشاء فلا تَعْزِلها. قاله مجاهد.
والرابع: تَقْبَل من تشاء من المؤمنات اللواتي يَهَبْنَ أنفُسَهُنَّ، وتترُك من تشاء، قاله الشعبي، وعكرمة.
وأكثر العلماء على أن هذه الآية نزلت مبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصاحَبة نسائه كيف شاء من غير إِيجاب القِسْمة عليه والتسوية بينهنّ، غير أنه كان يسوِّي بينهنّ. وقال الزُّهري: ما عَلِمْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أرجأ منهنَّ أحداً، ولقد آواهنَّ كلَّهنَّ حتى مات. وقال أبو رزين: آوى عائشة، وأُم سلمة، وحفصة، وزينب، وكان قَسْمُه من نَفْسه وماله فيهنَّ سواءً. وأرجأ سَوْدة، وجُوَيرية، وصفيَّة، وأُمَّ حبيبة، وميمونة، وكان يَقْسِم لهنَّ ما شاء. وكان أراد فراقهنَّ فقُلن: اقسم لنا ما شئتَ، ودَعْنا على حالنا. وقال قوم: إِنَّما أرجأ سَودة وحدها لأنها وهبت يومها لعائشة، فتوفي وهو يَقْسِم لثمان.
قوله تعالى: {وتُؤوي} أي: تضم، {ومن ابتغيتَ ممَّن عَزَلْتَ} أي: إِذا أردتَ أن تُؤوي إِليك امرأةً ممَّن عزلتَ من القسمة {فلا جُنَاحَ عليكَ} أي: لا مَيْلَ عليك بلَوْم ولا عَتْب {ذلكَ أدنى أن تَقَرَّ أعيُنُهُنَّ} أي: ذلك التخيير الذي خيَّرناك في صُحبتهنّ أقرب إِلى رضاهنّ. والمعنى: إِنهنّ إِذا عَلِمن أنَّ هذا أَمر من الله، كان أطيبَ لأنفُسهنّ. وقرأ ابن محيصن، وأبو عمران الجوني: {أن تُقِرَّ} بضم التاء وكسر القاف {أعيُنَهُنَّ} بنصب النون. {ويَرْضَيْنَ بما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} أي: بما أعطيتَهُنّ من تقريب وتأخير {واللّهُ يعلم ما في قلوبكم} من المَيْل إِلى بعضهنّ. والمعنى: إِنما خيَّرناك تسهيلاً عليك.
قوله تعالى: {لا يَحِلُّ لكَ النِّساءُ} كلُّهم قرأ: {لا يَحِلُّ} بالياء، غير أبي عمرو، فانه قرأ بالتاء؛ والتأنيث ليس بحقيقي، إِنما هو تأنيث الجمع، فالقراءتان حسنتان.
وفي قوله: {مِنْ بَعْدُ} ثلاثة أقوال.
أحدها: من بعد نسائك اللواتي خيرتَهُنَّ فاخترنَ اللّهَ ورسولَه، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة في آخرين، وهُنَّ التِّسع، فصار مقصوراً عليهنّ ممنوعاً من غيرهن وذكر أهل العِلْم أن طلاقه لحفصة وعَزْمه على طلاق سَوْدة كان قبل التخيير.
والثاني: من بعد الذي أحلَلْنا لك، فكانت الإِباحة بعد نسائه مقصورة على المذكور في قوله: {إِنَّا أَحلَلْنَا لكَ أزواجَكَ} إِلى قوله: {خالصةً لكَ}؛ قاله أُبيُّ بن كعب، والضحاك.
والثالث: لا تَحِلُّ لك النساء غير المُسْلِمات كاليهوديّات والنصرانيّات والمشركات، وتَحِلُّ لك المسلمات، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {ولا أن تَبَدَّلَ بهنَّ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أن تطلِّق زوجاتك وتستبدل بهنَّ سِواهنَّ، قاله الضحاك.
والثاني: أن تبدِّل بالمسلمات المشركات، قاله مجاهد في آخرين.
والثالث: أن تُعطيَ الرجل زوجتك وتأخذ زوجته، وهذه كانت عادة للجاهلية، قاله أبو هريرة، وابن زيد.
قوله تعالى: {إِلاَّ ما مَلَكَتْ يمينُك} يعني الإِماء.
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.
أحدها: إِلا أن تَملك بالسَّبي، فيَحِلّ لك وطؤها وإِن كانت من غير الصِّنف الذي أحلَلْتُه لك؛ وإِلى هذا أومأ أُبيُّ بن كعب في آخرين.
والثاني: إِلاَّ أن تصيب يهودية أو نصرانية فتطأها بملك اليمين، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثالث: إِلاَّ أن تبدِّل أَمَتَك بأَمَة غيرك، قاله ابن زيد.
قال أبو سليمان الدمشقي: وهذه الأقوال جائزة، إِلاَّ أنَّا لا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح يهودية ولا نصرانية بتزويج ولا ملك يمين، ولقد سبى ريحانة القرظية فلم يَدْنُ منها حتى أسلمت.
فصل:
واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين.
أحدهما: أنها منسوخة بقوله: {إِنَّا أَحْلَلْنا لك أزواجك}، وهذا مروي عن عليٍّ، وابن عباس، وعائشة، وأم سلمة، وعلي بن الحسين، والضحاك. وقالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أُحِلَّ له النساء، قال أبو سليمان الدمشقي: يعني نساء جميع القبائل من المهاجرات وغير المهاجرات.
والقول الثاني: أنها محكمة؛ ثم فيها قولان:
أحدهما: أن الله تعالى أثاب نساءه حين اخْتَرنه بأن قَصَره عليهنّ، فلم يُحِلَّ له غيرهنّ، ولم ينسخ هذا، قاله الحسن، وابن سيرين، وأبو أُمامة بن سهل، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث.
والثاني: أن المراد بالنساء هاهنا: الكافرات، ولم يَجُز له أن يتزوَّج كافرة، قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وجابر بن زيد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8